قيم تربوية : القيم الإيمانية | الإحسان
إن دين الإسلام جاء لينظم حياة المسلمين حتى تكون حياته حياة خير وحياة ينعم بها في دنياه ويسعد بها يوم لقاء الله، دين الإسلام جاء ليرشد المسلم إلى أن يكون مسلما حقا في اعتقاده وقوله وعمله، أن يكون مسلما حقا وليكون عضوا نافعا في أمته وليسعد في نفسه وليسعد به مجتمعه المؤمن، بل تسعد به الخليقة كلها، هكذا دين الإسلام الذي يبعث الله به محمد صلى الله عليه وسلم جاء بكل خير وصدق {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}.
حقيقة الإحسان
أيها المسلم، فما حقيقة هذا الإحسان؟ الإحسان هذا إتقان الشيء وإكماله وإتقان العمل وإكماله على الوجه المرضي وهذا الإحسان جاء نكرة في القرآن في آي كثيرة فأولا أمر الله به فقال: {وأحسنوا إن الله يحب المحسنين}، {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك}.
فضل المحسنين
جاء في القرآن بيان فضل المحسنين وأن الله أحاطهم بعنايته وأيدهم بنصره فأخبر جل وعلا أنه مع المحسنين {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} معية خاصة تقتضي هدايتهم وعودتهم وأن يمدهم بنصر منه وتأييد وأيضا جاء في القرآن بيان حال المحسنين وأن الإحسان سبب ينقذ به العبد من المهالك فيجعل له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا، ومن كل بلاء عافية ويخلصه من مكر أعدائه، قال يوسف عليه السلام: {قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين}. والمحسنون يمدهم الله بعونه ويعطيهم فرقانا يفرقون به بين الحق والباطل فلا يلتبس الحرام عليهم من الحلال ولا طريق الحق من طريق الهدى، قال تعالى:{ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين }.
الإحسان الكامل
أيها المسلم، وحقيقة الإحسان الكامل كما بينه محمد صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل لما سأله، قال يا محمد ما الإحسان؟ قال: “أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك” أن تعبد الله كأنك تراه أي عبادة الموقن كأنه يرى الله فإن لم تراه فاعلم أنه يراك ومحيط بك، قال تعالى: {وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين }.
أيها المسلم، الإحسان فيما بينك وبين الله والإحسان فيما بينك وبين عباد الله، فالإحسان فيما بينك وبين الله امتثال أوامر الله جل وعلا بتنفيذها حسب ما أمرك الله والابتعاد عن مناهي الله وعن كل وسيلة تقربك إلى ذلك ثم إحسانك إلى عباد الله بأنواع البر والمعروف والإحسان وفي الإحسان ماهو كمال وعمل صالح يزداد به العبد قربة إلى الله جل وعلا. أيها المسلم، فعل الإحسان ضد الإساءة { ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى}، وإن للمحسنين ثوابا عظيما عند الله {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}. {إن المتقين في جنات وعيون (15) آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين }. وقال: { إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا}.
أنواع الإحسان
أيها المسلم، فأحسن أنواع الإحسان عليك، إحسانك لأعمالك فيما بينك وبين الله، أن تخلص لله عملك فتبتغي بعملك وجه الله والدار الآخرة ثم تحسن العمل فيكون عملك على وفق ما شرع الله ورسوله فإن الله لا يقبل عمل عامل إلا إذا كان عمله خالصا لوجهه الكريم وكان في عمله يبتغي وجهه وكان عمله على وفق ما شرع الله {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} إحسانك في توحيد الله بأن تعبد الله وحده لا شريك له، لا تجعل له شريكا ولا ندا وتعلم أن العبادة بكل أنواعها حق لربنا جل وعلا {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير}، {له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء} فالموحدون لله، المخلصون لله توحيدهم هم المحسنون حقا الذين قالوا لا إله إلا الله بألسنتهم وعملوا بمقتضاها بجوارحهم واعتقدوا معناها بقلوبهم فعبدوا الله وحده وأخلصوا له الدين.
الإحسان في الصلاة
أيها المسلم، إحسانك في صلاتك، أداء أركانها وواجباتها واستكمالها بأداء سننها وأداؤها في الوقت الذي أوجب الله عليك أن تؤديها فيه، أداؤها بأن تلزم المسجد والجماعة فكل هذا من إحسان العبادة لله {كانوا قليلا من الليل ما يهجعون (17) وبالأسحار هم يستغفرون} إحسانك العمل في صلاتك بأدائها على وجه يرضى عنك ثم تكمل هذا الإحسان بنوافل الصلوات الخمس وما يزيد ذلك من النوافل التي تكون زادا لك يوم القيامة.
الإحسان في الزكاة
إحسانك في زكاتك، إخراجها وإحصاؤها وإيصالها إلى مستحقيها لتكون ممن قال الله فيهم: {وفي أموالهم حق للسائل والمحروم}. إحسانك في صيامك وحجك بإكمالهما على الوجه المرضي الذي شرع الله ورسوله.
الإحسان للوالدين
أيها المسلم، ثم إحسانك فيما بينك وبين عباد الله فقد أوجب الله عليك الإحسان إلى الوالدين {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا}، {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا}. وأمر بالإحسان للرحم بصلة الرحم كما أمرك الله به وأمرك بالإحسان إلى الجيران والإحسان إلى المساكين والإحسان إلى الأيتام والإحسان إلى الأرامل فكل ذلك من المعروف الذي تنال ثوابه يوم قدومك على الله، بل أمرك نبيك بالإحسان حتى للبهائم يقول صلى الله عليه وسلم: “دخلت امرأة النار في في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض” وأخبر صلى الله عليه وسلم أن في البهائم أجرا في سقيها وإطعامها ولو كانت غير مأكولة اللحم.
أخبرنا صلى الله عليه وسلم أن رجلا ممن قبلنا كان يمشي في البرية فاشتد به العطش فرأى بئرا فنزل فشرب ثم لما صعد رأى كلبا يأكل الثرى من العطش فقال: لقد بلغ بالكلب من الظمأ مثل ما بلغ بي فنزل البئر وملأ خفيه في الماء وأمسكهما بفيه ثم سقى الكلب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فشكر الله له فأدخله الجنة” قالوا: “أولنا في البهائم أجر؟ قال صلى الله عليه وسلم: إن في كل كبد رطبة أجرا”. وأخبر أن بغيا من بني إسرائيل سقت كلبا على ظمأ فشكر الله لها فغفر لها ذنبها.
الإحسان للبهائم
أيها المسلم وحتى الإحسان إلى البهائم في قتلها يقول صلى الله عليه وسلم: “إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتل وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته”. وحتى قتل الإنسان في الحدود الشرعية والقصاص أمرنا بالإحسان ففي نصوص الشريعة تنهى عن المثلى ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل الحيوان صبرا كل ذلك رفقا وإحسانا حتى في تنفيذ الحدود. أيها المسلم، فأحسن إلى الأبوين خدمة ونفقة وطاعة وسمعا لهما ومخاطبة لهما بأحسن الخطاب {إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما (23)واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا}.
أيها المسلم، أحسن إلى الجار بكف الأذى وبذل المعروف، أحسن إلى الرحم بالصلة والإحسان إليهم، أحسن إلى الأيتام والمساكين فأرحم ضعفهم وعجزهم وأسع لهم في الخير لتكون من المحسنين.
الإحسان للأولاد
أيها المسلم، أحسن إلى أولادك بتربيتهم على الخير وتوجيههم لطرق الهدى وحملهم على الأخلاق الفاضلة والنأي بهم عن كل الأعمال الرذيلة وأحسن إليهم بالإنفاق عليهم، أحسن إليهم بتزويجهم وإحصانهم عما حرم الله عليهم، أحسن إلى إلى الزوجة بالإحسان إليها ومعاشرتها بالمعروف، بل قد أمر اللهالمسلم أن يكون إحسانه لامرأته حتى في فراقها {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} أي فليكن فراقك إذا أردت الفراق يكون بإحسان بلا عنف ولا شقاق ولا نزاع.
الإحسان للناس
أيها المسلم، أحسن إلى الناس في تعاملك معهم فأصدقهم في التعامل وإياك والكذب والغش والخيانة. أيها المسلم، أحسن إلى الناس حتى في مخاطبتهم فكما أن الإحسان في الأعمال فالإحسان أيضا في الأقوال قال تعالى: {وقولوا للناس حسنا} وقال جل جلاله: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا }. ابتعد عن فاحش القول فإن ذلك ضد الإحسان فليس المؤمن بالسباب ولا باللعان ولا بالفاحش ولابالبذئ.
أيها المسلم، أحسن التعامل مع الناس، فأعط أهل الحقوق حقوقهم وأعط المؤجرين أجرتهم وأعط العمال حقهم وأحسن في التعامل مع الآخرين فإن التعامل بالإحسان خلق أهل الإيمان.
الإحسان بأداء العمل
أيها المسلم، أحسن في العمل الذي عهد إليك به، أحسن إليه أداء وأحسن فيه وقتا وأحسن تعاملك مع من تتعامل معه فتعطي الناس حقوقهم وتعاملهم بالعدل والإحسان فيما بينهم كي تكون من المحسنين حقا. أحسن إلى اليتيم فأرحم ضعفه وعجزه ويتمه وأرفق به، أحسن إلى كل إنسان على قدر حسبه فالإحسان خلق المسلم يسير به في حياته لأن حياة المسلم حقا حياة خضوع لشرع الله {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين (162) لا شريك له}، فحياة المسلم لله يعمل فيها بشرع الله ويسير فيها على وفق ما بين الله له في كتابه وما بينه له رسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا استعمل الإنسان في كل شيء في موضعه كان من المحسنين الذين وعدهم الله الثواب العظيم.
عباد الله، إن الإحسان خلق المؤمن في أعماله التي أنيطت به فهو ينفذ العمل الذي أنيط به خير تنفيذ، إحسانا في العمل فلا تجده ضجرا ولا قلقا في أعمال يؤديها ولا تجده غاشا ولا خائنا ولا مرتشيا ولا تجده مماطلا بالناس ولا ظالما للناس ولا مفضلا أحدا على أحد لقرابة أو صداقة أو نحو ذلك وإنما طريقه طريق مستقيم في إحسانه وتعاونه مع عباد الله ناهجا قول الله {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا}.
الدعاة والإحسان
الدعاة إلى الله وإلى رسوله هم من أولى الناس أن يكونوا في دعوتهم محسنين، محسنين للجاهل يعلمون جهله ويعلمون قلة علمه فيرفقون به ويترفقون به ويوضحون له الحق بدليله قاصدين هدايتهم واستصلاحه قال جل وعلا لموسى وهارون {فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى}، وسيد الأولين وإمام الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم كان أعظم الخلق إحسانا للخلق قال الله عنه {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك}. فكان محتملا في دعوته يصيبه الكرب والأذى يقول اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، يستأذنه ملك الجبال أن يطبق على قريش الأخشبين فيقول: (لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده لا يشركون به شيئا) يخاطب أهل مكة عام الفتح: (ما أنتم ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم. قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء) رأى الخلق في سيرته النبيلة وأخلاقه الكريمة وتعاونه الجم ما دعا الخلق إلى الإيمان به والاقتناع به وأنه رسول الله حقا صلوات الله وسلامه عليه حلم على الجاهل ورفق به وعطف وإحسان إليه وهكذا الداعي إلى الله يقصد بدعوته وأمره ونهيه محبة الخلق والرحمة بهم والإشفاق عليهم ومحبة وصول الخير إليهم لا يريد انتقاما منهم ولا يريد تعاليا عليهم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كذلك، كثير الرحمة والإحسان والإشفاق فليس شامتا ولا عايبا ولا مستهزئا ولكن رحوم بالأمة محسن إليهم يحب الإحسان وانقاذهم من جهالات الضلالة.
القاضي في محكمته يحسن لخصومه بالعدل بينهم والاستماع لحجج الطرفين فيما يظهر له بما يوافق الشرع فلا يميل به الهوى لواحد دون الآخر ولايحاول إلحاق الضرر بالآخر وإنما هو عدل ومحسن في قضائه يحسن إلى الشهود فلا يلحق الأذى ولا الضرر بهم، بل يمكن كل منهم من أداء شهادته ويهيئ له المجال فلا يلحق به ضررا وهكذا كل مسؤول عن قطاع من قطاع الأمة فإنه واجب عليه الإحسان اليهم وحملهم على الخير والقيام بما أوجب الله هكذا المؤمنون حقا أهل إحسان فيما بينهم وبين ربهم وأهل إحسان فيما بينهم وبين عباد الله. أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد والعون على كل خير وأن يهدينا سراطه المستقيم.