قيم تربوية : القيم الأخلاقية | الحياء
التعريف
معنى الحَيَاء لغةً:
تقول: رجل حَيِيٌّ ذو حَياءٍ بوزن فَعِيلٍ، والأُنثى بالهاء، وامرأَةٌ حَيِيَّة واسْتَحْيا الرَّجل واسْتَحْيَت المرأَة، وللعرب في هذا الحرف لغتان، يقال: اسْتَحَى الرَّجل يَسْتَحي بياء واحدة، واسْتَحْيا فلان يَسْتَحْيِي بياءَين، والقرآن نزل بهذه اللُّغة الثَّانية في قوله عزَّ وجلَّ إنَّ الله لا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مثلًا [البقرة:26] . ويقال: استحيت بياء واحدة، وأصله استحييت. والحَيَاء ممدود: الاستحياء .والحَيَاء مشتقٌّ مِن الحياة .
(قال الإمام الواحديُّ -رحمه الله تعالى-: قال أهل اللُّغة: الاسْتِحْيَاءُ مِن الحَيَاة، واسْتَحْيَا الرَّجُلُ، مِن قُوَّة الحَيَاة فيه لشدَّة علمه بمواقع الغيب) .
معنى الحَيَاء اصطلاحًا:
هو:(انقباض النَّفس مِن شيءٍ وتركه حذرًا عن اللَّوم فيه) .
وقال الحافظ ابن حجر: (الحَيَاء: خُلُق يبعث صاحبه على اجتناب القبيح، ويمنع مِن التقصير فيحقُّ ذي الحقِّ) .
وقيل هو: (تغيُّر وانكسار يعتري الإنسان مِن خوف ما يُعَاب به ويُذََمُّ، ومحلُّه الوجه، ومنعه مِن القلب) .
الفكرة
غرس قيمة الحياء وتنشئة الجيل المسلم عليها ، وبيان الفرق بين المحمود منه والمذموم.
من القرآن
– وقال تعالى: (إِنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذا أَرَادَ اللَّه بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ)[البقرة:26].
– وقال تعالى: (وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقوى)[الأعراف:26].
فُسِّر لباس التَّقوى بأنَّه الحَيَاء كما رُوِي عن الحسن ، ومعبدٌ الجهني .
– وقال تعالى: (فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)[القصص: 25].
– وقال -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإذا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ)[الأحزاب:53].
ما جاء في السنة من فضل خلق الحياء
– يحبُّه الله:
رُوِي في الحديث الصَّحيح عن يَعْلَى ((أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يغتسل بالبَرَاز فصعد المنبر، فحمد اللَّه وأثنى عليه، وقال: إنَّ اللَّه عزَّ وجلَّ حَلِيمٌ حَيِىٌّ سِتِّيرٌ يحبُّ الحَيَاء والسَّتْر، فإذا اغتسل أحدكم فليَسْتَتِر)
– الحَيَاء مِن سنن الأنبياء والمرسلين:
عن ابن عبَّاس، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((خمسٌ مِن سُنَنِ المرسلين: الحَيَاء والحِلْمُ، والحجَامَة، والتَّعطُّر، والنِّكاح)) .
– الحَيَاء خُلُق الإسلام:
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ لكلِّ دين خُلُقًا وخُلُق الإسلام الحَيَاء)) .
– الحَيَاء مفتاح لكلِّ خيرٍ:
رُوِي عن عمران بن حصين رضي الله عنه , قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((الحَيَاء لا يأتي إلَّا بخيرٍ)) .
– الحَيَاء مِغْلَاقٌ لكلِّ شرٍّ:
وجاء في الصَّحيح عن أبي مسعود قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ ممَّا أدرك النَّاس مِن كلام النُّبوَّة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت)) .
– الحَيَاء يُكْسِب محبَّة الله تعالى:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله عزَّ وجلَّ إذا أنعم على عبد نعمةً يحبُّ أن يرى أثر النِّعمة عليه، ويكره البؤس والتَّباؤس، ويبغض السَّائل المُلْحِف ويحبُّ الحييَّ العفيف المتعفِّف)) .
– الحَيَاء مفتاحٌ مِن مفاتيح الزِّينة:
عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((ما كان الفُحْش في شىءٍ إلَّا شانه، وما كان الحَيَاء في شىءٍ إلَّا زَانَهُ)) .
– الحَيَاء يؤمِّن صاحبه يوم القيامة:
عن أبى هريرة عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال ((سبعة يظلِّهم اللَّه في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلَّا ظلُّه: الإمام العادل، وشابٌّ نشأ بعبادة اللَّه، ورجلٌ قلبه معلَّق في المساجد، ورجلان تحابَّا في اللَّه، اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه، ورجلٌ دعته امرأة ذات منصبٍ وجمالٍ، فقال: إنِّي أخاف اللَّه. ورجلٌ تصدَّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله، ورجلٌ ذكر اللَّه خاليًا ففاضت عيناه)) .
– الحَيَاء يُدْخِل الجنَّة:
عن أبى هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((الحَيَاء مِن الإيمان والإيمان في الجنَّة، والبَذَاء مِن الجفاء والجفاء في النَّار)) .
ومن الآثار
– قال عمر رضي الله عنه: ( مَن قلَّ حياؤه قلَّ ورعه، ومَن قلَّ ورعه مات قلبه) .
– وقال ابن القيم: (حياة القلب يكون فيه قوَّة خُلُق الحَيَاء، وقلَّة الحَيَاء مِن موت القلب والرُّوح، فكلَّما كان القلب أحيى كان الحَيَاء أتم).
– قال الجنيد رحمه الله: (الحَيَاء: رؤية الآلاء ورؤية التَّقصير، فيتولَّد بينهما حالة تُسمَّى الحَيَاء، وحقيقته: خُلُقٌ يبعث على ترك القبائح، ويمنع مِن التَّفريط في حقِّ صاحب الحقِّ).
– ومِن كلام بعض الحكماء:( أحيوا الحَيَاء بمجالسة مَن يستحيي منه، وعمارة القلب: بالهيبة والحَيَاء، فإذا ذهبا مِن القلب لم يبق فيه خيرٌ، وقال ذو النُّون: الحَيَاء وجود الهيبة في القلب مع وحشة ما سبق منك إلى ربِّ، والحبُّ يُنطِق والحَيَاء يُسْكِت والخوف يُقْلِق).
– وقال السَّري: (إنَّ الحَيَاء والأنس يطرقان القلب، فإن وجدا فيه الزُّهد والورع وإلَّا رحلا. وفي أثرٍ إلهيٍّ يقول الله -عزَّ و جلَّ-: ابن آدم! إنَّك ما استحييت منِّي أَنْسَيت النَّاس عيوبك، وأَنْسَيت بقاع الأرض ذنوبك، ومحوت مِن أمِّ الكتاب زلَّاتك، وإلَّا ناقشتك الحساب يوم القيامة ) .
الفرق بين الحياء والخجل
الخجل: معنى يظهر في الوجه لغمٍّ يلحق القلب عند ذهاب حجَّةٍ أو ظهور على ريبة وما أشبه ذلك، فهو شيء تتغير به الهيبة.
والحَيَاء: هو الارتداع بقوَّة الحَيَاء، ولهذا يُقَال: فلانٌ يستحي في هذا الحال أن يفعل كذا، ولا يقال: يخجل أن يفعله في هذه الحال؛ لأنَّ هيئته لا تتغيَّر منه قبل أن يفعله، فالخَجَل ممَّا كان والحَيَاء ممَّا يكون.
وقد يُسْتَعمل الحَيَاء موضع الخَجَل توسُّعًا، وقال الأنباري: أصل الخَجَل في اللُّغة: الكَسَل والتَّواني وقلَّة الحركة في طلب الرِّزق، ثمَّ كثر استعمال العرب له حتى أخرجوه على معنى الانقطاع في الكلام.
أقسامه
ينقسم الحَيَاء باعتبار محلِّه إلى قسمين:
1- القسم الأوَّل: حياء فطريٌّ: وهو الذي يُولَد مع الإنسان متزوِّدًا به، ومِن أمثلته: حياء الطِّفل عندما تنكشف عورته أمام النَّاس، وهذا النَّوع مِن الحَيَاء منحة أعطاها الله لعباده.
2- والقسم الثَّاني: حياء مكتسب: وهو الذي يكتسبه المسلم مِن دينه، فيمنعه مِن فعل ما يُذَمُّ شرعًا، مخافة أن يراه الله حيث نهاه، أو يفقده حيث أمره.
وينقسم باعتبار متعلَّقه إلى قسمين:
1- القسم الأوَّل: الحَيَاء الشَّرعي: وهو الذي يقع على وجه الإجلال والاحترام، وهو محمود.
2- القسم الثَّاني: الحَيَاء غير الشَّرعي: وهو ما يقع سببًا لترك أمر شرعي، وهذا النَّوع مِن الحَيَاء مذموم، وهو ليس بحياء شرعي، وإنَّما هو ضعف ومهانة.
فوائد الحياء
– الحَيَاء مِن خصال الإيمان.
– هجر المعصية خجلًا مٍن الله سبحانه وتعالى .
– الإقبال على الطَّاعة بوازع الحبِّ لله عزَّ وجلَّ .
– يبعد عن فضائح الدُّنْيا والآخرة.
– أصل كلِّ شعب الإيمان.
– يكسو المرء الوَقَار فلا يفعل ما يخلُّ بالمروءة والتوقير ولا يؤذي مَن يستحقُّ الإكرام.
– لا يمنع مِن مواجهة أهل الباطل ومرتكبي الجرائم.
– هو دليلٌ على كرم السَّجيَّة وطيب المنبت.
– صفة مِن صفات الأنبياء والصَّحابة والتَّابعين .
– مَن استحى مِن الله ستره الله في الدُّنْيا والآخرة.
– يُعدُّ صاحبه مِن المحبوبين عند الله وعند النَّاس.
– يمنع الشَّخص عن الفواحش، ويجعله يستتر بها إذا هو سقط في شيء مِن أوحالها.
– يدفع المرء إلى التَّحلِّي بكلِّ جميل محبوب، والتَّخلِّي عن كلِّ قبيح مكروه .
صور الحياء المحمود والمذموم
صور الحَيَاء المحمود:
– الحَيَاء مِن الله: وذلك بالخوف منه ومراقبته، وفعل ما أمر واجتناب ما نهى عنه.
– الحَيَاء مِن الملائكة: وذلك عندما يستشعر المؤمن بأنَّ الملائكة معه يرافقونه في كلِّ أوقاته، وهو بهذا يستحي أن يقترف ما حرَّم الله.
– الحَيَاء مِن النَّاس: وهو دليلٌ على مروءة الإنسان.
– الحَيَاء مِن النَّفس: وهذا الحَيَاء هوما يثبِّت حقيقة الحَيَاء مِن الله.
– الحَيَاء مِن الوالدين.
– والحَيَاء مِن الضَّيف والمبادرة بإكرامه.
صور الحَيَاء المذموم:
– الحَيَاء في طلب العلم
– الحَيَاء مِن الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر.
– حياء يدفع إلى فعل أمر نهى عنه الشَّارع ، ويعتبر ضعفًا ومهانة.