دور المعلم في بناء القيم التربوية لدى الطلاب
مقومات تعين المعلم على غرس القيم :
وقبل الحديث عن دور المعلم في بناء القيم لابد من ذكر بعض الخصائص والمقومات التي ينبغي أن يتمثلها – سلوكا وأخلاقاً – حتى يستطيع القيام بدوره ومنها :
– أن يتصف بالصبر والأناة والتحمل حتى يستطيع التعامل مع الطلاب ويتمكن من توجيههم .
– أن يتحلى بالحزم والكياسة , فلا يكون ضيق الخلق سيء التصرف , وسريع الغضب , فيفقد بذلك احترام الطلاب له .
– أن يكون مخلصا في عمله , وجاداً فيه محباً له.
– أن يكون طبيعياً في سلوكه مع تلاميذه وزملائه , وغير متكلف في ذلك .
– أن يكون متمسكاً بدينه , محترما لتقاليد مجتمعه , جاداً غير مستهتر ؛ لأنه نائب عن المجتمع في أداء هذه الرسالة .
– الشفقه على المتعلمين بحيث يجريهم مجرى بنيه وينقذهم من نار الآخرة وهو أهم من إنقاذ الوالدين ولدهما من نار الدنيا .
-أن يبعد المتعلم عن سوء الأخلاق بطريق التعريض ما أمكن ولا يصرح , وبطريقة الرحمة لا بطريقة التوبيخ .
– المعلم الذي يعلم بعض العلوم ينبغي ألا يقبح في نفس المتعلم العلوم الأخرى .
– أن يقتصر بالمتعلم على قدر فهمه فلا يلقي إليه مالا يبلغه عقله فينفر أو يخبط عليه عقله .
– أن يكون المعلم عاملاً بعلمه فلا يُكِّذب قوله فعله , لأن العلم يدرك بالبصائر , والعمل يدرك بالأبصار , وأرباب الأبصار أكثر . فإذا خالف العمل العلم منع الرشد .
– أن يطور المعلم أداءه بما يواكب متطلبات العصر , وبالتالي بناء أجيال تستطيع أن تتماشى مع ركب الحضارة ؛ لأن دورهم يختلف من وقت إلى آخر بسبب تغير ظروف الحياة ” فهو في الوقت الحالي معلم ومربٍّ في آن واحد , فعلى عاتقه تقع مسؤولية الطلاب في التعلم والتعليم والمساهمة المواجهة والفاعلة في تنشئتهم التنشئة السليمة من خلال الرعاية الواعية والشاملة للنمو المتكامل للفرد روحياًّ وعقليًّا وجسميًّا ومهاريًّا ووجدانيًّا إضافة إلى دوره في مجال التفاعل مع البيئة وخدمة المجتمع والمساهمة في تقدمه ورقيه ”
أدوار المعلم في العملية التربوية التعليمية :
أولا: الدور المعرفي :
تعتبر عملية نقل المعرفة من الأدوار الأساسية للمعلم ويأخذ النصيب الأكبر من عمل المعلم ” ولم يعد المعلم في هذا الدور موصلاً للمعومات والمعارف للطلاب ولا ملقناً لهم فحسب بل أصبح مساعداً لهم في عملية التعلم والتعليم , حيث يشارك طلابه في إعداد الدروس والبحث والدراسة مستنيرين بإرشاداته وتوجيه معلميهم ”
ويعتبر هذا الدور أساسياً لبقية الأدوار الأخرى فمثلاً من خلاله يستطيع المعلم أن يقوم بعملية التوجيه والإرشاد أو غرس القيم والآداب , وهذا يتطلب من المعلم عدم التركيز على هذا الدور دون غيره من الأدوار مهما كانت المبررات والأسباب .
ثانيا: الدور الإرشادي :
وظيفة المعلم لا تقتصر على دوره في نقل المعارف والمعلومات إلى طلابه , بل تتعداها إلى ما هو أعظم , فعمل المعلم كمدرس ومربٍ يتعدى نشاط التدريس إلى أكثر من أوجه النشاط الأخرى كالتوجيه التربوي والنفسي والاجتماعي والديني والمهني , فالتوجيه في وضع يمكنه من ملاحظة سلوكهم وتصرفاتهم وعاداتهم وأعراض انحرافاتهم ومظاهر القوة والضعف في شخصياتهم , وجوانب النجاح أو الفشل في دراستهم وعلاقتهم مع زملائهم , وفي مواجهتهم لمشكلات الحياة .
” والمعلم من خلال دوره كمرب لتلاميذه موجه لهم يتوقع منه أن يكون قائداً في مدرسته وفصله , يساهم في تفتح أذهان تلاميذه وكشف استعداداتهم ومواهبهم , وتنمية قدراتهم وميولهم واتجاهاتهم المرغوبة في الحياة , ومساعداً لهم على اختيار الدراسة والمهنة المناسبة لميولهم وقدراتهم على مواجهة حل مشكلاتهم الدراسية والشخصية والاجتماعية وكاشفا لهم عن عيوبهم وأخطائهم وجوانب ضعفهم , وعن مزاياهم وجوانب التفوق والقوة لديهم ؛ ليتخلصوا مما عسى أن يكون فيهم من عيوب وأخطاء وجوانب ضعف , ويدعموا ما يوجد فيهم من مزايا وصفات صالحة وجوانب قوة في شخصياتهم ”
وحتى تتم عملية التوجيه والإرشاد بشكل سليم وصحيح وتؤتي أكلها وتحقق أهدافها المنشودة , ينبغي على المعلم القيام ” بتخطيط الخبرات وإدارتها على نحو يجعل من كل فرد عنصراً فعالاً ونشيطاً في المواقف التعليمية , وهذا يحتم على المعلم أن يكون مدركاً منذ البداية لنوع منتج التعلم الذي يرجوه والذي يتوقعه من كل خبرة يقوم بتخطيطها والاستعداد لتنفيذها بالاشتراك مع تلاميذه ”
فالعملية التعليمية مشتركة بين المعلم والطالب , وتهدف إلى تحقيق الهدف الأسمى وهو بناء الإنسان وتكوينه صالحاً لنفسه ومجتمعه .
“لذلك فالتربية الخلقية السليمة لا تعتمد على المواعظ الجامدة والتعبيرات المطاطية والألفاظ المتكررة المتواترة والكتب المترجمة , وإنما تعتمد أساساً على المربي الفاضل صاحب الخبرات الذي يوجه تلميذه إلى الخير والحق لما له من فطنة وتجربة ”
ثالثاً: الدور الثقافي :
لايمكن لأي مجتمع الحفاظ على هويته الثقافية وراثياً بل يحتاج إلى ناقل أمين للثقافة , والمعلم هو المستأمن على ثقافة المجتمع ونقلها من جيل إلى جيل آخر لكنه يحتاج إلى أن يتسلح بثقافة المجتمع وأن يكون على معرفة واسعة مما يريده الأعداء عبر وسائلهم المختلفة من طمس للهوية الثقافية للأمة فهو يتعلم مبادئ العلوم والفنون والآداب ويتخصص في العملية التربوية , وواجب عليه أن يثقف نفسه ثقافتين : ثقافة عامة وثقافة خاصة , وأن يفيد من الثقافتين في تربية المتعلم وتوسيع أفقه في إيصاله المعرفة الحقة والصراط المستقيم .
وأن يكون المعلم على دراية بكيفية الانفتاح الثقافات الأخرى وتدريب الطلبة على ذلك للاستفادة منها بما يتناسب مع الثقافة الإسلامية حتى لا تذوب شخصية الطالب كلية .
وتنبع أهمية هذا الدور من موقع الثقافة في بناء الأجيال , فهي الشرط الثالث من بناء الأجيال بعد التربية والتعليم وهذا يتطلب من المعلم أن ينمي ثقافته باستمرار من خلال قراءة الكتب ومتابعته ما يتوصل إليه الآخرون ؛ ليستطيع تحصين الطلاب ضد أية محاولة أو أسلوب للتغريب , خصوصاً يعد أن استطاعت تكنولوجيا الأعداء غزو المسلمين ثقافياً في معظم أماكنهم , والتأثير على عدد كبير من أفراد مجتمعهم في أفكارهم ومعتقداتهم وحتى مظهرهم الخارجي .
رابعاً: الدور الإنساني ( العلاقة الإنسانية والاجتماعية مع الطالب )
لاشك أن المعلم لايمكنه أداء دوره وتحقيق الأهداف المنوطة به دون أن يكون على علاقة طيبة مع كل من له صلة بالعملية التعليمية التربوية وخاصة مع الطلاب محور هذه العملية .
وتعتبر العلاقة بين المعلم والطلاب الأساس الذي من خلاله يستطيع المعلم أن يحقق ما يريد خلال تدريسه ؛ لذلك ينبغي أن تكون العلاقة قوية قائمة على الود والمحبة لا على التسلط والتكبر . ويمكن تحقيق ذلك من خلال :
1- احترام شخصيات المتعلمين وتقديرهم ومراعاة ظروفهم .
2- المساهمة في حل مشاكلهم وهمومهم .
3- الرفق بهم والحنو عليهم .
4- الصبر على الطلبة أثناء التعامل معهم .
5- لابد من إتاحة الفرصة لمختلف الطلاب كي يطرحوا الآراء والأفكار التي تعن لهم من خلال تساؤلاتهم مع بذل المزيد من العناية لتشجيع هؤلاء الطلاب الذين قد يضطرهم الحياء إلى التقصير في التعبير عما يعتلج صدورهم .
6- تجسيد المبادئ والقيم التربوية في نفوس المتعلمين ؛ لتمكنهم من التفاعل مع بعضهم البعض ومع المعلمين وأسرهم وأفراد مجتمعهم , ومع شعوب العالم باختلاف عاداتهم وثقافاتهم وأجناسهم وألسنتهم وألوانهم .
7- مراعاة الظروف الاجتماعية والاقتصادية والنفسية التي يعيشها الطلاب .
ومن هنا يمكن القول أن علاقة المعلم بالطالب لا تنتهي بمجرد خروج المعلم من الفصل بل ينبغي عليه أن يتابع طلابه كلما سنحت له الفرصة لذلك مثل أوقات الفراغ في ساعات الدوام أو أثناء الطابور الصباحي مما يزيد من شعور الطلاب باهتمام المعلم بهم فتنمو العلاقة بينهم وتقوى .
خامساً:دور المعلم في غرس وبناء القيم التربوية في نفوس الطلاب :
من المعروف أن أي نظام تربوي له مجموعة من الأهداف يسعى لتحقيقها ؛ ليضمن بناء الشخصية السوية المتكاملة من جميع الجوانب , والمعلم هو الشخص المكلف بتحقيق معظم هذه الأهداف بحيث لا يركز على هدف ويهمل آخر مما ينتج عنه خلل في بناء الأجيال . ومن أهم الأهداف التي يسعى المعلم لتحقيقها هو غرس وتنمية القيم لما لها من دور في بناء الشخصية , وبالذات القيم والآداب الإسلامية لأنها تترك أثر ها الطيب في النفس , وهذا الأثر على شخصية الطالب لا يخص جانباً واحداً من جوانب النفس بل يشملها كلها .
تتعدد الأدوار التي يمكن أن يقوم المعلم لغرسها القيم وتعزيزها عند الطلاب , ويمكن تصنيفها وفق الآتي :
أولاً : الأدوار النظرية وتتضمن :
1- شعور المعلم بأهمية دوره في غرس القيم وأنها جزء رئيس من عمله التربوي , والاهتمام بالموضوعات القيمية وإبرازها من خلال المضمون التعليمي والأهداف التعليمية .
2- تعريف المتعلمين بأهمية القيم وكونها معيار تفضيل الإنسان على غيره من المخلوقات الأخرى .
3- رصد منظومة القيم السائدة بين المتعلمين , وتصنيفها إلى قيم إيجابية تعزيزها , وأخرى سلبية ينبغي محاربتها , والكشف عن أضرارها على الفرد المجتمع .
4- تحديد مجموعة القيم التي ينبغي على المتعلمين تمثيلها خلال العام الدراسي وتوزيعها على أشهر السنة والعمل على معالجتها وتعليمها .
5- ربط القيم بالعقيدة الإسلامية السمحة , وبقواعد السلوك الإسلامي القويم الذي يُشعر الفرد بالاعتزاز والسعادة النفسية , وتقدير الذات , واحترام الآخرين ,كما يحقق للمجتمع قوته واستقراره ونظافته من عوامل التفكك والضعف الاخلاقي والاجتماعي .
6- الكشف عن مظاهر الصراع القيمي وأسبابه , وخطورة أضداد القيم الوافدة على الناشئة والمتعلمين .
ثانياً: الأدوار التطبيقية وتتضمن :
1- أن يكون السلوك الشخصي للمعلم متوافقا مع القيم الحميدة باعتباره أسوة وقدوة حسنة .
2- أن يسمح للمتعلمين بالتعبير عن آرائهم ومواقفهم بحرية .
3- أن يقوم المعلم بتقديم نماذج وأمثلة إيجابية توضح نتائج الالتزام بالقيم التربوية .
4- أن يجيد توظيف طرائق واستراتيجيات تعليم القيم المختلفة في المواقف التعليمية .
5- أن يوفر فرصاً للحوار والمناقشة حول الأبعاد القيمية للمحتوى الدراسي .
6- أن يقارن بين أنماط السلوك القيمي الحميد وما يقابله من أشكال السلوك المذموم .
7- أن يخصص قراءات وواجبات تهتم بالجانب القيمي الحميد وما يقابله من أشكال السلوك المذموم .
8- أن يتضمَّن أساليب التقويم والاختبارات مواقف تتعلق بالسلوك القيمي للمتعلمين .
9- أن يتعاون مع الأسرة وأولياء الأمور والزملاء في تعزيز القيم الإيجابية وتغيير القيم السلبية .
10- أن يدعم ويعز السلوك المرغوب فيه .
11- أن يحدد مستويات التلاميذ بحيث تكون في إطار المرغوب فيه .
12- أن يقدم المبادئ التي تقدم السلوك الناجح .
13- أن يناقش الطلاب ويقنعهم بالسلوك المرغوب فيه والذي يحقق الأهداف المشتركة .
14- أن يحدد للطلاب القيم المراد غرسها بدقة وبطريقة مبسطة .
15- أن يحرص على توفير المناخ الودي نفسيا واجتماعياً .
16- أن يعوّد الطلاب على الاحتكام للقرآن الكريم والسنة النبوية في تقييم المواقف والممارسات وأنماط السلوك التي تعرض عليهم .
17- أن يعمل على تشر العلم الشرعي الصحيح .
18- أن يوجه الطلاب لمخططات الأعداء وما يريدونه بهذه الأمة , وهذا يحتاج إلى بيان إيضاح وتوجيه لما يحدث في العالم .
19- أن يوعي الطلاب بالآثار السلبية التي يستدعيها من يخالف طريق الأنبياء ويستعجل حصول المطلوب .
20- أن يوجه الطلاب بالالتحاق بالأنشطة الرسمية في المدارس والمراكز الصيفية وجمعيات تحفيظ القرآن الكريم , وجميع الأنشطة التي تأخذ مظاهر العلنة والوضوح في داخل المجتمع , بعيداً عن الأنشطة التي يكون فيها ريبة أو شك أو غموض أو لا يُعرف القائمون عليها .
21- أن يبين خطورة جلساء السوء وأن يحذر من الأصدقاء الذين توجد لديهم أفكار شاذة منحرفة , سواء كانت من قبيل الإفراط أو التفريط أو الغلو أو الجفاء ويجب أن توضع بعض الموازين الشرعية لدى الطلاب ؛ ليميزوا بها صاحب الفكر المنحرف .
22- أن يعمل على شغل الطلاب بالعمل الإيجابي ؛ فالفراغ مفسدة سواء لمن نزع نحو الغلو أو الجفاء.
23- ان يبين فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتوجيهه الوجهة السليمة.
24-أن يحذر من قبول الاتهامات لمناهجنا وقدوتنا وما عليه سلفنا .
25- أن يبني الشخصية بناء متكاملاً من جميع جوانبها المعرفية والمهارية والوجدانية والاجتماعية , بحيث تتكاتف المعارف والقيم لدى الطالب ؛ فتمكنه من اتخاذ مواقف إيجابية .
26- أن يزود الطلاب بالقدرات والمهارات التي تؤهلهم لمحاربة مواطن الفساد , وطرح البدائل الصالحة.
27- أن يخطط للأنشطة المدرسية ( المنهجية واللامنهجية ) تخطيطاً جيداً لتزويد الطالب بالقيم التي يحتاجون إليها وتدريبهم على ممارستها .
هذا ويحسن بالمعلم أن يكون وسيع الصدر لطلابه ,يفتح لهم صدره , ويجرؤهم على أن يدلوا بما لديهم , وأن يبثوا ما في نفوسهم بكل صراحة ووضوح , وعليه أن تعوِّدهم على مصارحته بما يختلج في صدورهم من إشكالات وشُبَه , فإن استطاع أن يجيب عليها فبها ونعمت , وإلا فعليه أن ينقل المشكلة إلى غيره .
كما ينبغي أن يكون المعلم فطناً يميز في أي اتجاه يسير طلابه بعيداً عن إساءة الظنون أو اتهام الآخرين , بل المطلوب ألا يكون غافلاً فتزل بسبب غفلته قدم بعد ثبوتها , وخاصة وأن الأفكار تبدأ بدايات طبيعية يسيرة , ثم تنمو شيئاً فشيئاً , وقد تستشري بين الطلاب والمعلم غافل لا يعلم ثم تكون المصيبة , ويفاجأ أن من بين طلابه من يحمل أفكار غريبة , ولم ينتبه لها إلا بعد أن استشرى المرض , وكان الأولى به أن تكون لديه من الوسائل والحكمة والفطنة ما تنبهه إلى الفأس قبل وقوعه في الرأس ؛ حتى يمكنه من القيام بدوره في الإصلاح والتوجيه والتقويم والتربية .