الذكاء الانفعالي أو الوجداني
يعتبر مفهوم الذكاء الانفعالي أو الوجداني مفهوما حديثا على التراث السيكولوجي , وما زال يكتنفه بعض الغموض , حيث انه في منطقة تفاعل بين النظام المعرفي والنظام الانفعالي .
والتعريفات التي تعرف الذكاء الانفعالي انقسمت إلى قسمين :
الأول:
أكثر تحفظا ويعرف الذكاء الوجداني بأنه القدرة على فهم الانفعالات الذاتية والتحكم فيها وتنظيمها وفق فهم انفعالات الآخرين والتعامل في المواقف الحياتية وفق ذلك , فيعرفه Mayer&salovey ,1990 بأنه القدرة على فهم الانفعالات الذاتية للآخرين وتنظيمها للرقي بكل من الانفعال والتفكير , ويشير سالوفيSalvey بان الذكاء الانفعالي يميز الأفراد الذين يحاولون التحكم في مشاعرهم ومراقبة مشاعر الآخرين وتنظيم انفعالاتهم وفهمها ,ويمكنهم ذلك من استخدام استراتيجيات سلوكية للتحكم الذاتي في المشاعر والانفعالات ويشير سالوفي بان مرتفعي الذكاء الانفعالي يحتمل أن يكون لديهم القدرة على مراقبة انفعالاتهم ومشاعرهم والتحكم فيها والحساسية لها وتنظيم تلك الانفعالات وفق انفعالاتهم ومشاعر الآخرين .
الثاني:
يعرف الذكاء الانفعالي بأنه مجموعة من المهارات الانفعالية والاجتماعية التي يتمتع بها الفرد واللازمة للنجاح المهني وللنجاح في الحياة ، ويعطي Golman 1995 مجموعة من المهارات الانفعالية والاجتماعية تميز مرتفعي الذكاء الانفعالي وتشمل ,الوعي الذاتي ,والتحكم في الاندفاعات ,والمثابرة ,والحماس والدافعية الذاتية ,والمشاركة العاطفية ,والمهارات الاجتماعية ,وأن انخفاض تلك المهارات ليس في صالح الفرد أوفي نجاحه المهني .
هذا وقد عرفه “دانيال جوليان” في كتابه الذكاء الوجداني Emotional Intelligenceبأنه:
“القدرة على فهم الانفعالات، ومعرفتها، والتمييز بينها، والقدرة على ضبطها والتعامل معها بإيجابية”.
يعنى ذلك أن تأثير الانفعال والوجدان على السلوك والتعلم يفوق كثيرًا تأثير العمليات المنطقية على السلوك والتعلم.
إذن الوجدان والتفكير متداخلان تداخلاً وثيقًا. وحتى يتمكن الطفل من اكتساب معلومة ما أو خبرة من الخبرات فلا بد أن تتوافر له الظروف الآمنة البعيدة عن التهديد والقلق حتى يزداد تركيزه وتزداد قدرته على استدعاء الخبرات السابقة، وبالتالي فهم الموقف والتعامل معه عقليًّا ومنطقيًّا.
وعندما تكون الخبرة مصحوبة بانفعال إيجابي كالفرح أو الإنجاز مثلاً يزداد إتقان المعلومة وحفظها وتخزينها في صورة واضحة يسهل استدعاؤها والاستفادة منها؛ وذلك لأن الناقلات العصبية في الدماغ البشري تفرز موادَّ كيميائية تعطي شعورًا بالراحة والمرح، وذلك مع الخبرة التي تعطي هذه الأحاسيس الإيجابية، فيسجل الدماغ هذه المعلومة، وكأنه يقول لنفسه: هذه المعلومة هامة احفظها وتذكرها واستخدمها مستقبلاً.
وتعتبر هذه المشاعر الإيجابية التي ترافق الخبرة بمثابة مكافأة ذاتية للدماغ، وهي التي تدعو العقل مستقبلاً لممارسة أشكال التفكير المختلفة كالابتكار والاستكشاف والإنجاز؛ لأن المخ في هذه الحالة يكون آمنًا.
إذا كانت الانفعالات المصاحبة للخبرة سلبية ومؤلمة كالتهديد والقلق والخوف، فإن المادة الكيميائية التي يفرزها الدماغ تجعل الفرد متحفزًا للرد بالمقاومة (مقاومة دخول المعلومة أو تعلم المهارة)؛ وذلك للمحافظة على نفسه، ويؤدي ذلك إلى مزيد من التوتر والقلق، وبالتالي يتدنى الانتباه والتركيز والتعليم.
ومن هنا كان الذكاء الوجداني هو أساس التنمية العقلية والاجتماعية والمعرفية للطفل.
أهمية الذكاء الوجداني:
الذكاء الوجداني ، مهم للنجاح في الحياة , والمهنة , والصحة النفسية . وكما تحدث (جولمان) بأن الصحة الوجداني تنبئ بالنجاح في الدراسة ,والعمل , والزواج , والصحة الجسمية , وتشير الدراسات الحديثة إلى أن الذكاء الوجداني يتنبأ بـ 80 % من نجاح الإنسان في الحياة .
مهارات الذكاء الوجداني التي يمكن تنميتها لدى الطفل فيما يلي:
– الاهتمام بتمييز الانفعالات (تسميتها هل هو فرحان – سعيد – خامل – غاضب – متوتر…).
– التحكم بردود الفعل العفوية (عدم التسرع بإعطاء رد الفعل).
– التعامل مع الضغوط الحياتية.
– تفهم انفعالات الآخرين ووجهة نظرهم.
– تفهم معايير السلوك المقبول وغير المقبول.
– تطوير نظرة إيجابية واقعية تجاه الذات.
ما الذي تنتجه هذه المهارات الوجدانية؟
يؤكد دانيال على أن تنمية هذه المهارات تسفر عن شخصية متزنة قادرة على تحمل المسئولية وتأكيد الذات، والمتفتحة والمتعاونة والقادرة على فهم الآخرين والقادرة على حل المشكلات، والقادرة على ضبط النفس في مواقف الصراع والاضطراب واتزان المشاعر والسلوك والفكر مثل التعرف، والقادرة على التواصل الفعَّال وتوقع النتائج المترتبة على السلوك.
الجديد في النظر لهذا الأمور القديمة الجديدة أنها تحولت لنهج “الخطوة خطورة”، بمعنى أصبح كل منها يتحول لسلسلة من المهارات التي يمكن لكل فرد التدريب عليها بسياسة الخطوة خطوة؛ فالذكاء، التفكير، الإبداع، حل المشكلات صار كل ذلك مهارات يمكن إتقانها جميعا.
ولكن كيف تحول الأمر؟
أسهمت دراسات الجهاز العصبي وتشريح المخ، وعلم النفس العصبي في التحول الكبير في النظرة للذكاء فقد أكدت قابلية المخ للتعديل الذاتي فينمو ويخبو من خلال التفاعل البيئي الثري، وهذا الثراء إنما يعني التنبيه والأمن.
وقد أحدثت هذه النتائج نقلة وتحول لمفهوم الذكاء من اعتباره قدرة عامة ثابتة (موروثة) إلى اعتباره إمكانية وطاقة دينامية نامية.
ظهرت بعض النظريات الحديثة ولعلَّ أهمها –بالنسبة لفكرة الذكاء الوجداني- الدراسات التي أفادت بأن الذكاء ليس أحاديًّا، بل متعددًا، وهذه النظرية (الذكاء المتعدد) توضح أن الفروق بين الأطفال ليست في درجة ما يملكون من ذكاء وإنما نوعية هذا الذكاء، وقد توصل هوارد جاردنر إلى ثمانية أنواع من الذكاء.
أنواع الذكاء:
1- الذكاء اللفظي (اللغوي).
2 – الذكاء التحليلي – الرياضي.
3 – الذكاء المكاني.
4- الذكاء الموسيقي – الإيقاعي.
5- الذكاء الحركي – الجسدي.
6 – الذكاء الاجتماعي (الخاص بالتعامل مع الآخرين).
7- الذكاء الانفعالي الذاتي (الشخصي).
8 – الذكاء البيئي.
ثم تجيء نظرية الذكاء الوجداني كالتقاء لبحوث ودراسات المخ التي أكدت أن المخ وجداني ينشطه الأمن ويحجمه التوتر، ونظرية جاردنر في الذكاء المتعدد الذي صار يتضمن أنواعًا من الذكاء الشخصي والتفاعل مع الغير.
وتشير بحوث الذكاء الوجداني أن 80% من إنجازات البشر مرجعها الذكاء الوجداني، بينما 20% مرجعها الذكاء التحليلي.
يشمل الذكاء الوجداني خمسة أبعاد:
1. الوعي بالذات.
2. الدافعية الذاتية.
3. مقاومة الاندفاع.
4. التفهم وإدارة الوجدان.
5. العلاقات الاجتماعية.
إذن الأمر كله يصب في خانة التنمية الشخصية للتفاعل الإيجابي والتعايش مع الآخرين.
وتجدر بنا الإشارة لنموذج السلوك الذكي الذي يتضمن 15 عملية عقلية معرفية ووجدانية -إذن العقل (معرفة ووجدان)-، وتتضمن هذه العمليات العقلية:
1- المثابرة.
2- مقاومة الاندفاع.
3- الاستماع بتفهم وتعاطف.
4- مرونة التفكير.
5 – التفكير في التفكير.
6 – السعي نحو الدقة.
7 – التساؤل.
8 – تطبيق الخبرات السابقة في مواقف جديدة.
9- التعبير بدقة ووضوح عن التفكير.
10- استخدام كل الحواس.
11 – الإبداع والخيال.
12 – الحماس للحياة.
13 – المخاطرة المحسوبة.
14 – المرح.
15- التفكير مع الآخرين.
طرق نعلم بها أبناءنا هذه السلوكيات خطوة خطوة و هي:
– الحب للطفل.
– الاحترام للطفل.
– التقبل للطفل.
– بناء الثقة بالنفس والآخرين.
– إشاعة روح المرح والدعابة مع الطفل.
– بناء صورة إيجابية لدى الطفل عن نفسه.
– تشجيع الطفل على التعبير عن انفعالاته بدلاً من كبتها.
– محاولة الحوار الذي يشجِّع الطفل ليحكي باستفاضة عما يشعر به؛ وذلك لأنه أثناء هذا الحوار يدرك أبعاد مشاعره بوضوح أكثر، ويصبح لديه مع الوقت قدرة على التحكم فيما يثير لديه هذا النوع من الانفعال؛ لأننا في الحقيقة حين نتحدث نبدو كما لو أننا ننظر من الخارج لما نقول (أي لما نفكر – لما نشعر).
– نساعد الطفل ليتعرف بـأمانة على نقاط قوته ونقاط ضعفه.
– الاستماع إلى الآخرين بفهم وتفهم، وذلك يسهم في تعميق الفكرة وصقلها، فالطفل الذي يعود ويتدرب على حسن الاستماع للآخرين يستطيع أن يبني أفكارًا جديدة على أفكار الآخرين، كما يستطيع توضيح وشرح تلك الأفكار، إضافة لأن الاستماع إلى الآخرين يخلص الطفل من تمركزه حول ذاته، فهو يبدأ في التعرف على مشاعر وأفكار الآخرين، ويبدأ في إدراك أن لهم من الأهمية مثل ما له، ولهم من الحقوق والواجبات مثل ما له، ويمكنه ذلك من زيادة وعيه بالمشكلات، ويفتح مداركه لوجهات نظر وبدائل أخرى. ويمكنه ذلك من دخول عالم الآخرين دون تحيز.
– من أكثر ما يفيد الطفل في تكوين نظرة إيجابية نحو الذات المعاملة الهادئة المتزنة، والتشجيع على ما يبديه من إيجابيات دون إفراط أو تفريط، كذلك مساعدة الطفل على إتقان مهارات مختلفة (رياضة – فنون – قراءة – ألعاب …).
– تعويد الطفل على تسجيله انطباعاته، آرائه، خبراته، انتقاداته والمشاركة من قبل الأهل في ذلك، وربما كان ذلك مفيدًا في نواحٍ عدة (التعبير الجيد – الوعي بذاته – فرص للنقاش – الفهم المتبادل – الشجاعة في إبداء الرأي – متابعة تطور التفكير والمعرفة والوجدان لدى الطفل – ربط الطفل بالكتابة وهي مهارة هامة جدًّا).
– تساعد الفنون على التطورات والنمو المتزن في حياة الطفل والأمر الهام هو التعبير في حد ذاته أي ممارسة الفن ذاته بغض النظر عن النتائج، فهو وسيلة للتعبير عما يجول بخاطره من أفكار ومشاعر وانفعالات. ولقد وجد علماء النفس علاقة بين أعمال الطفل الفنية والحاجات والرغبات اللاشعورية التي تؤثر في سلوكه وتوجهه؛ ولذا يسهم الفن في صحة الطفل العقلية والنفسية، ويرفع عنه الضغوط، ويعطيه فرصة لإظهار المعاني التي لا يمكن أن يعبر عنها عن طريق اللغة.